سورة آل عمران - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر، وقد كرّر ذلك في القرآن {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء} [المائدة: 50]، {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله} الآيه [المجادلة: 22]. والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان {مِن دُونِ المؤمنين} يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْء} ومن يوالي الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأساً، وهذا أمر معقول فإنّ موالاة الوليّ وموالاة عدوّه متنافيان، قال:
تَوَدُّ عَدُوِّى ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّنِي *** صدِيقُكَ لَيْسَ النَّوْكُ عَنْكَ بِعَازِبِ
{إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة} إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه. وقرئ: {تقية}. قيل للمتقي تقاة وتقية، كقولهم: ضرب الأمير لمضروبه. رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعدواة والبغضاء، وانتظار زوال المانع من قشر العصا، كقول عيسى صلوات الله عليه (كن وسطاً وامش جانباً) {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه، وهذا وعيد شديد. ويجوز أن يضمن {تَتَّقُواْ} معنى تحذروا وتخافوا، فيعدى بمن وينتصب {تقاة} أو تقية على المصدر، كقوله تعالى: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].


{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
{إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ} من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضي الله {يَعْلَمْهُ} ولم يخف عليه وهو الذي {وَيَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الارض} لا يخفى عليه منه شيء قط. فلا يخفى عليه سركم وعلنكم {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} فهو قادر على عقوبتكم. وهذا بيان لقوله: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] لأنّ نفسه وهي ذاته المميزة من سائر الذوات، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور، فهي قادرة على المقدورات كلها، فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب، ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الإطلاع على أحواله، فوكل همه بما يورد ويصدر، ونصب عليه عيوناً، وبث من يتجسس عن بواطن أموره، لأخذ حذره وتيقظ في أمره، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به، فما بال من علم أنّ العالم الذات الذي علم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك.


{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
{يَوْمَ تَجِدُ} منصوب بتودّ. والضمير في بينه لليوم، أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين، تتمنى لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمداً بعيداً. ويجوز أن ينتصب {يَوْمَ تَجِدُ} بمضمر نحو: اذكر، ويقع على ما عملت وحده، ويرتفع {وَمَا عَمِلَتْ} على الابتداء، و{تَوَدُّ} خبره، أي: والذي عملته من سوء تودّ هي لو تباعد ما بينها وبينه. ولا يصح أن تكون ما شرطية لارتفاع تودّ.
فإن قلت: فهل يصح أن تكون شرطية على قراءة عبد الله ودّت؟ قلت: لا كلام في صحته، ولكن الحمل على الابتداء والخبر أوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم وأثبت لموافقة قراءة العامّة. ويجوز أن يعطف {وَمَا عَمِلَتْ} على {مَّا عَمِلَتْ} ويكون {تَوَدُّ} حالاً، أي يوم تجد عملها محضراً وادّة تباعد ما بينها وبين اليوم أو عمل السوء محضراً، كقوله تعالى: {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} [الكهف: 49] يعني مكتوباً في صحفهم يقرؤنه ونحوه {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أحصاه الله وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6]. والأمد المسافة كقوله تعالى: {ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} [الزخرف: 38] وكرّر قوله: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه {والله رَءوفٌ بالعباد} يعني أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه.
وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه. ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذوراً لعلمه وقدرته، مرجوّ لسعة رحمته كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت: 43].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8